سورة الحشر - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحشر)


        


{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}
{وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} معنى أفاء الله: جعله فيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوجفتم من الوجيف وهو سرعة السير، والركاب هي الإبل، والمعنى أن ما أعطى الله رسوله من أموال بني النضير لم يمش المسلمون إليه بخيل ولا إبل ولا تعبوا فيه ولا حصلوه بقتال، ولكن حصل بتسليط رسوله صلى الله عليه وسلم على بني النضير، فأعلم الله من هذه الآية أن ما أخذه من بني النضير وما أخذه من فدك: فهو فيء خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم يفعل فيه ما يشاء، لأنه لم يوجف عليها، ولا قوتلت كبير قتال. فهما بخلاف الغنيمة التي تؤخذ بالقتال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من أموال بني النضير قوت عياله، وقسم سائرها في المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئاً، غير أن أبا دُحانة وسهلَ بن حنيف شكْوا فاقة فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منها سهماً، هذا قول جماعة، وقال عمر بن الخطاب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على أهله نفقة سنة وما بقي جعله في السلاح والكراع عدة في سبيل الله.
وقال قوم من العلماء: وكذلك كل ما فتح الأئمة مما لم يوجف عليه فهو لهم خاصة يأخذون منه حاجتهم ويصرفون باقيه في مصالح المسلمين.


{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)}
{مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} الآية، اضطراب الناس في تفسير هذه الآية وحكمها اضطراباً عظيماً فإن ظاهرها أن الأموال التي تؤخذ للكفار تكون لله وللرسول ومن ذكر بعد ذلك ولا يخرج منها خمس، ولا تقسم على من حضر الوقيعة، وذلك يعارض ما رود في الأنفال من إخراج الخمس، وقسمة سائر الغنيمة على من حضر الوقيعة، فقال بعضهم: إن هذه الآية منسوخة بآية الأنفال، وهذا خطأ لأن آية الأنفال نزلت قبل هذه بمدة. وقال بعضهم: إن آية الأنفال في الأموال التي تغنم ما عدا الأرض، وأن هذه الآية في أرض الكفار. قالوا: ولذلك لم يقسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرض مصر والعراق بل تركها لمصالح المسلمين، وهذا التخيصص لا دليل عليه. وقيل غير ذلك، والصحيح أنه لا تعارض بين هذه الآية وبين آية الأنفال، فإن آية الأنفال في حكم الغنيمة التي تؤخذ بالقتال وإيجاف الخيل والركاب، فهذا يخرج منه الخمس ويقسم باقيه على الغانمين، وأما هذه الآية ففي حكم الفيء وهو ما يؤخذ من أموال من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، وإذا كان كذلك فكل واحدة من الآيتين في معنى غير معنى الآخرى، ولها حكم غير حكم الأخرى فلا تعارض بينهما ولا نسخ، وانظر كيف ذكر هنا لفظ الفيء وفي الأنفال لفظ الغنيمة وهو قول الجمهور وبه قال مالك وجميع أصحابه وهو أظهر الأقوال.
وأما فعل عمر في أرض مصر والعراق، فالصحيح أنه فعل ذلك لمصلحة المسلمين بعد استطابة نفوس الغانمين بقوله تعالى: {مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى} يريد بغير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب كما كانت أموال بني النضير، ولكنه حذف هذا لقوله في الآية قبل هذا: فما أوجفتم عليه من خيل، ولا ركاب، فاستغنى بذكر ذلك أولاً عن ذكره ثانياً، ولذلك لم تدخل الواو العاطفة في هذه الجملة لأنها من تمام الأولى فهي غير أجنبية منها فإنه بيّن في الآية الأولى حكم أموال بني النضير، وبين في هذه الآية حكم ما كان مثلها من أموال غيرهم على العموم، ويصرف الفيء فيما يصرف فيه خمس الغنائم؛ لأن الله سوّى بينهما في قوله: {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}، وقد ذكرنا ذلك في الأنفال فأغنى عن إعادته، وقد ذكرنا في الأنفال معنى قوله: لله وللرسول وما بعد ذلك {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنيآء} أي كيلا يكون الفيء الذي أفاء الله على رسوله من أهل القرى دولة ينتفع به الأغنياء دون الفقراء، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير على المهاجرين فإنهم كانوا حنيئذ فقراء، ولم يعط الأنصار منها شيئاً، فإنهم كانوا أغنياء فقال بعض الأنصار: لنا سهمنا من هذا الفيء فأنزل الله هذه الآية، والدولة بالضم والفتح ما يدول الإنسان أي يدور عليه من الخير، ويحتمل أن يكون من المداولة، أي كي لا يتداول ذلك المال الأغنياء بينهم ويبقى الفقراء بلا شيء.
{وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} نزلت بسبب الفيء المذكور: أي ما أتاكم الرسول من الفيء فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، فكأنها أمر للمهاجرين بأخذ الفيء ونهي للأنصار عنه، ولفظ الآية مع ذلك عام في أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نواهيه، ولذلك استدل بها عبد الله بن مسعود على المنع من لبس المحرم المخيط ولعن الواشمة والواصلة في القرآن لورود ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{لِلْفُقَرَآءِ} هذا بدل من قوله: {وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} ليبين بذلك أن المراد المهاجرين، ووصفهم بأنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم؛ لأنهم هاجروا من مكة وتركوا فيها أموالهم وديارهم.


{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)}
{والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان مِن قَبْلِهِمْ} هم الأنصار والدار هي المدينة لأنها كانت بلدهم، والضمير في قبلهم للمهاجرين.
فإن قيل: كيف قال تبوؤا الدار والإيمان وإنما تتبوّأ الدار. أي تسكن ولا يتبوأ الإيمان؟
فالجواب من وجهين: الأول أن معناه تبوؤا الدار وأخلصوا الإيمان فهو كقولك: فعلفتها تبناً وماء بارداً، تقديره: علفتها تبناً وسقيتها ماء بارداً، الثاني أن المعنى أنهم جعلوا الإيمان كأنه موطن لهم لتمكنهم فيه، كما جعلوا المدينة كذلك.
فإن قيل: قوله من قبلهم، يقتضي أن الأنصار سبقوا المهاجرين بنزول المدينة وبالإيمان، فأما سبقهم لهم بنزول المدينة فلا شك فيه لأنها كانت بلدهم، وأما سبقهم لهم بالإيمان فمشكل، لأن أكثر المهاجرين أسلم قبل الأنصار؟
فالجواب من وجهين: أحدهما أنه أراد بقوله من قبلهم من قبل هجرتهم، والآخر أنه أراد تبوؤا الدار مع الإيمان معاً. أي جمعوا بين الحالتين قبل المهاجرين، لأن المهاجرين إنما سبقوهم بالإيمان لا بتبوّئ الدار فيكون الإيمان على هذا مفعولاً معه، وهذا الوجه أحسن، لأنه جواب عن هذا السؤال، وعن السؤال الأول، فإنه إذا كان الإيمان مفعولاً معه لم يلزم السؤال الأول، إذ لا يلزم إلا إذا كان الإيمان معطوفاً على الدار.
{وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ} قيل: إن الحاجة هنا بمعنى الحسد، ويحتمل أن تكون بمعنى الاحتجاج على أصلها، والضمير في يجدون للأنصار، وفي أوتوا المهاجرين، والمعنى: أن الأنصار تطيب نفوسهم بما يعطاه المهاجرون من الفيء وغيره، ولا يجدون في صدورهم شيئاً بسبب ذلك {وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ} أي يؤثرون غيرهم بالمال على أنفسهم ولو كانوا في غاية الاحتياج، والخصاصة هي الفاقة، وروي أن سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم هذه القرى على المهاجرين دون الأنصار قال للأنصار: إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم، وشاركتموهم في هذه الغنيمة. وإن شئتم أمسكتم أموالكم وتركتم لهم هذه فقالوا: بل نقسم لهم من أموالنا ونترك لهم هذه الغنيمة وروُي أيضاً «أن سببها أن رجلاً من الأنصار أضاف رجلاً من المهاجرين فذهب الأنصاري بالضيف إلى منزله فقالت له امرأته: والله ما عندنا إلا قوت الصبيان. فقال لها: نوّمي صبيانك وأطفئي السراج، وقدمي ما عندك للضيف، ونوهمه نحن أنا نأكل ولا نأكل، ففعلا ذلك، فلما غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: عجب الله من فعلكما البارحة ونزلت الآية: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون}» شحّ النفس: هو البخل والطمع وفي هذا إشارة إلى أن الأنصار وقاهم الله شح أنفسهم فمدحهم الله بذلك، وبأنهم يؤثرون على أنفسهم وبأنهم لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتي المهاجرون وأنهم يحبون المهاجرين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6